الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
مر الباشا في ناحية سويقة العزي سائرًا إلى ناحية بيت بلغيا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع إلى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا فر مروره فحيثما أتى مقابلًا لذلك المكتب أطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه وأصابت إحدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وأمر الخدم بإحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا إليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر إلى الباشا بأنهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب إلى داره. وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وأرسل السيد عمر إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا وأغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل إلى بيت الباشا طائفة من الدلاتية وضربوا أيضًا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة أربعة أنفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصًا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس وأصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا أمتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم أنه طلع إلى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا إلى القلعة ورجع إلى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم بإشارة بعضهم لبعض رمزًا فغالطهم وخرج مستخفيًا من البيت ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له وأكثرهم أقاربه وبلدياته ولما تحققوا من خروجه من الدار وطلوعه إلى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة وأشيع في البلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل أشخاص وأصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون بأسلحتهم وطلع أفراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل إلى الأتراك وفرقة تميل إلى جنسها والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم. وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ إلى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا. وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة وأصبح يوم الأحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم. واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة 1222 وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن أسطحة الدور والمساكن وكان شيئًا هائلًا واستمر ذلك إلى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه. وفي رابعه انكشفت القضية عن طلب مبلغ ألفي كيس بعد جمعيات ومشاورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في أمكنة أخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التي أكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل أن ترد أو تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على أرباب الحرف وأهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء وإسماعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك وأهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع إلى السيد عمر النقيب واجتمع كثير من أهل الحرف كالصرماتية وأمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر وأقاموا به ليالي وأيامًا فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبأيديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة أتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائمًا في بيته ومتفكرًا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع إلى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه إلا ومعين آخر واصل إليه على النسق المتقدم وهكذا. وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة أرسلها الباشا إلى مخدومه فأقام أيامًا يتشاور مع الباشا في مصالحته مع شاهين بك وحصل الاتفاق على حضور شاهين بك إلى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على أمر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح آغا السلحدار. وفي يوم الخميس ثامن عشره قصد الباشا نفي رجب آغا الأرنؤدي وأرسل إليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه وأعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال أنا لي عنده خمسون كيسًا ولا أسافر حتى أقبضها وذلك أنه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألأفي وينضم إليه ويتحيل في اغتياله وقتله فإن فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه أعطاه خمسين كيسًا فذهب عند الألفي والتجأ إليه وأظهر أنه راغب في خدمته وكره الباشا وظلمه فرحب به وقبله وأكرمه مع التحذر منه ظلمًا طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع إلى الباشا فلما أمره بالذهاب أخذ يطالبه بالخمسين كيسًا فامتنع الباشا وقال جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله ولم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب آغا في عناده وذلك أنه لا يهون بهم مفارقة مصر التي صاروا فيها أمراء وأكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم أنه جمع جيشه إليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل إليه الباشا من يحاربه فحضر حسن آغا سرششمه من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضًا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا قليلًا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الإقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التي في صفهم ونقبوا من بيت إلى آخر حتى انتهوا إلى أول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه إلى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي آغا الشعراوي إلى بيت سيدي محمد وأخيه سيدي محمود المعروف بأبي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدور وأزعجوا أهلها بقبح أفعالهم فإنهم عندما يدخلون في أول بيت يصعدون إلى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون في مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها إلى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم إلى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الانزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن إلى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما فيها ويأكلون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت أثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التي فتقوها وأخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدًا عنها أو وزعوه قبل الحادثة وأصيب محمد أفندي أبو دفية برصاصة أطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التي أتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة أيام بلياليها فلما كان ليلة الاثنين ثاني عشرينه حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق وصالح قوج إلى رجب آغا المذكور وأركباه وأخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وإزعاج أهلها وما فيما بينهم أنفار قليلة وكذلك مات أناس وانجرح أناس من أهل البلد. وفي يوم السبت وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من إبراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانًا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر وأربع خصيهن وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك إلى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا إليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان أفندي. وفي خامس عشرينه سافر رجب آغا وتخلف عنه كثير من عساكره وأتباعه وذهب من ناحية دمياط. وفيه حضر ديوان أفندي من دهشور وابن الباشا أيضًا وخلع شاهين بك على ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحًا نفيسًا إنكليزيًا. وفي ثاني عشرينه وصل شاهين بك إلى شبرامنت وقد أمر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع إلى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع وآلات الحرب وغيرها. واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1222 ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وإنما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة أيام العيد وفي خامسه اعتنى الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر أخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارًا عامرة إلا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الأخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب وأحضروا الجمال والحمير لنقل أخشابه وأنقاضه وأخرجوا منه أخشابًا عظيمة في غاية العظم والثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والأوان. وفي سابعه حضر شاهين بك إلى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على أهل البلدة وأعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزامًا وكشوفية وأطلق له فيها التصرف وأنعم عليه أيضًا بثلاثين بلدة من إقليم البهنا مع كشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها إلى حد الإسكندرية وأطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي. وفي صبح يوم الأربعاء تاسعه ركب السيد عمر أفندي النقيب والمشايخ وطلعوا إلى القلعة باستدعاء إرسالية أرسلت إليهم في تلك الليلة فلما طلعوا إلى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا إلى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى إلى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا أما القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا إلى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا إلى القلعة وطلعوا من باب العزب إلى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا إلى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفًا وخنجرًا مجوهرًا وتعابى وقدم له خيولًا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته إلى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضًا وسلم عليه وخلع عليه أيضًا وقدم له خيولًا وركب صحبتهما وذهبوا عند طاهر باشا ابن أخت الباشا فسلم عليه أيضًا وقدم له تقادم ثم ركب عائدًا إلى الجيزة وذهب إلى مخيمه بشبرامنت واستمر مقيمًا بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم وأجنادهم إلى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون إلى مخيمهم. وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وأمروا بالسفر إلى بلادهم. وفي يوم الجمعة انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم إلى بحري الجيزة. وفي يوم السبت ثاني عشره وصل أربعة من صناجق الألفية وهم أحمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا إلى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوى وقلدهم سيوفًا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليه أيضًا خلعًا ثم ذهبوا إلى بيت صالح آغا السلحدار فأقاموا عنده إلى أواخر النهار ثم ذهبوا إلى البيوت التي بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح إلى الجيزة. وفي يوم الثلاثاء خامس عشره عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن أحمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية آلاف ريال. وفيه أنفقوا على إرسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي إلى إبراهيم بك الكبير لإجراء الصلح. وفيه أيضًا أرادوا إجراء عقد زينب هانم ابنة إبراهيم بك على نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك إلا عن إذن أبي وهاهو مسافر إليه فليستأذنه ولا أخالف أمره فأجيبت إلى ذلك وأراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فاستأذن الباشا فقال أني أريد أن أزوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب أرسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك إياها. وفي يوم الأربعاء نزل الباشا من القلعة وذهب إلى مضرب النشاب واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانًا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع إلى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا إلى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك إلى بيت عديلة هانم فمكثا إلى قبيل المغرب ثم أرسل إليهما الباشا فطلعا إلى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح وعديا إلى الجيزة. قال الشاعر: أمور تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب وفيه تقلد حسن آغا سرششمه إمارة دمياط عرضا عن احمد بك وتقلد عبد الله كاشف الدرندلي إمارة المنصورة عوضًا عن عزيز آغا. وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن أحدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وآخر بالدفتردارية باسم ولده إبراهيم وآخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن إخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية وآخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضًا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع إلى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكًا. وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وأفندية من أفندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التي رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل أربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف إلى ذلك من حق الطرق والكل المتكررة. واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1222 وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف أكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من أصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو أكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم إلى ذوي الجاه ولازموا أعتابهم حتى شفعوا فيهم كشفوا غمتهم. وفي عاشره ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن أمر الباشا وهزموه إلى المنية ونهبوا حملته متاعه. وفي أثر ذلك حضر أبو ياسين بك إلى مصر وعينت عساكر إلى جهة قبلي وأميرها بونابارته الخازنجار وتقدمهم سليمان بك الألفي في آخرين. وفي عشرينه تعين أيضًا عدة عساكر إلى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع لأشقر المصرلي لمحافطة رشيد وآخرين إلى الإسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك أنه ورد قائد الإنكليز إلى ثغر سكندرية وأخبر بخروج عمارة الفرنسيس إلى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الإنكليز المقيم برشيد إلى مصر بأهله وعياله. وفي أواخره جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وأرباب الأشغال لعمارة أسوار وقلاع الإسكندرية وأبي قير والسواحل. واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222 في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل إلى المنية ونزل بفنائها خرج إليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربًا إلى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتًا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله وأثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا أطهر أنه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته وأقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم طفق الباشا يلوم على جراءة المصريين وإقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول أنا أرسلت إليه أحذره وأقول له أنه ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فغن أبى وخالف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الأبنية فلم يستمع لما قلت له وغرر بنفسه وأيضًا ينبغي لكبير الجيش التأخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما أرسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وأنهم مجتمعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وأنهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسًا مكانه فعند ذلك أرسل الباشا إلى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا إمارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض أحد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى أرسلوه إلى الباشا فخلع عليه وأمره بالسفر إلى المنية فأخذ في قضاء أشغاله وعدى إلى بر الجيزة. وفي منتصفه ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل إلى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل إليه يستدعيه إلى الطاعة وأطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابًا له ولأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن أبي ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فإن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه بالأمان ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على أنفسهم وفتحوا لهم طريقًا وذهبوا إلى أماكنهم واستلم بونابارته المنية فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر إلى مصر. وفي ليلة الثلاثاء تاسعى عشره حضر ياسين بك إلى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع إلى القلعة فعوقه الباشا وأراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده وأوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح آغا مع الباشا في أمره وأن يقيم بمصر فقال الباشا لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر أي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له إلا الامتثال ثم أحضرعه وخلع عليه فروة وأنعم عليه بأربعين كيسًا ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق وسافر إلى دمياط ليذهب إلى قبرص ومعه محافظون. وفي يوم الأحد حضر بونابارته الخازندار من المنية إلى مصر وانقضت السنة وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الشيخ العلامة بقية العلماء والفضلاء والصالحين الورع القانع الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن علاء الدين البرماوي الذهبي الشافعي الضرير ولد ببلده برما بالمنوفية سنة 1138 ونشأ بها وحفظ القرآن والمتون على الشيخ المعاصري ثم انتقل إلى مصر فجاور بالمدرسة الشيخونية بالصليبة وتخرج في الحديث على الشيخ أحمد البرماوي وحضر دروس مشايخ الأزهر كالشيخ محمد فهرس والشيخ علي قايتباوي والشيخ الدفري والشيخ سليمان الزيات والشيخ الملوي والشيخ المدابغي والشيخ الغنيمي والشيخ محمد الحفني وأخيه الشيخ يوسف عبد الكريم الزيات والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عمر الشنواني والشيخ أحمد رزة والشيخ سليمان البسوسي والشيخ علي الصعيدي واقرأ الدروس وأفاد الطلبة ولازم الأقراء وكان منجمعًا عن الناس قانعًا راضيًا بما قسم له لا يزاحم على الدنيا ولا يتداخل في أمورها وأخبرني ولده العلامة الفاضل الشيخ مصطفى أنه ولدًا بصيرًا فأصابه الجدري فطمس بصره في صغره فأخذه عم أبيه الشيخ صالح الذهبي ودعا له فقال في دعائه اللهم كما أعميت بصره نور بصيرته فاستجاب الله دعاءه وكان قوي الإدراك ويمشي وحده من غير قائد ويركب من غير خادم ويذهب في حوائجه المسافة البعيدة ويأتي إلى الأزهر ولا يخطئ الطريق ويتنحى عما عساه يصيبه من راكب أو جمل أو حمار مقبل عليه أو شيء معترض في طريقه أقوى من ذي بصر فكان يضرب به المثل في ذلك مع شدة التعجب كما قال القائل ما عماء العيون مثل عمى القلب فهذا هو العمى والبلاء فعماء العيون تغميض عين وعماء القلوب فهو الشفاء ولم يزل ملازمًا على حالته من الانجماع والاشتغال بالعلم والعمل به وتلاوة القرآن وقيام الليل فكان يقرأ كل ليلة نصف القرآن إلى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول من هذه السنة وله من العمر أربع وثمانون سنة وصلي عليه بجامع ابن طولون ودفن بجوار المشهد المعروف بالسيدة سكينة رضي الله عنها بجانب الشيخ البرماوي رحمه الله وبارك في ولده الشيخ مصطفى وأعانه على وقته ومات العمدة الفاضل حاوي الكمالات والفضائل الشيخ محمد بن يوسف ابن بنت الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ولد سنة 1163 وتربى في حجر جده وتخلق بأخلاقه وحفظ القرآن والألفية والمتون وحضر دروس جده وأخي جده الشيخ يوسف الحفناوي وحضر أشياخ الوقت كالشيخ علي العدوي والشيخ احمد الدردير والشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي وغيرهم وتمهر وأنجب وأخذ طريق الخلوتية عن جده ولقنه الأسماء ولما توفي جده ألقى الدروس في محله بالأزهر ونشأ من صغره على أحسن طريقة وعفة نفس وتباعد عن سفاسف الأمور الدنيئة ولازم الاشتغال بالعلم وفتح بيت جده وعمل به ميعاد الذكر كعادته وكان عظيم النفس مع تهذيب الأخلاق والتبسيط مع الإخوان والممازحة مع تجنبه ما يخل بالمروءة وله بعض تعليقات وحواش وشعر مناسب ولم يزل على حالته إلى أن توفي يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن مع جده في تربة واحدة بمقبرة المجاورين ولم يخلف ذكورًا رحمه الله ومات الشيخ العلامة المفيد والتحرير المجيد محمد الحصافي الشافعي الفقية النحوي الفرضي تلقى العلوم وحضر أشياخ الطبقة الأولى ودرس العلوم بالأزهر وأفاد الطلبة وقرأ الكتب المفيدة وعاش طول عمره منعكفًا في زوايا الخمول منعزلًا عن الدنيا وهي منعزلة عنه راضيًا بما قسم الله له قانعًا بما يسره له مولاه لا يدعي في وليمه ولا ينهمك على شيء من أمور الدنيا ولم يزل على حالته حتى توفي يوم الاثنين ثالث عشر شوال من السنة ومات العمدة المفضل الشيخ محمد عبد الفتاح المالكي من أهالي كفر حشاد بالمنوفية قدم من بلده صغيرًا فجاور بالأزهر وحضر على أشياخ الوقت ولازم دروس الشيخ الأمير وبه تخرج وتفقه عليه وعلى غيره من علماء المالكية وتمهر في المعقولات وأنجب وصارت له ملكه واستحضار ثم سافر إلى بلده وأقام بها يفيد ويفتي ويرجعون إليه في قضاياهم ودعاويهم فيقضي بينهم ولا يقبل من أحد جعالة ولا هدية فاشتهر ذكره بالإقليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة وأنه لا يقضي إلا بالحق ولا يأخذ رشوة ولا جعالة ولا يجابي في الحق فامتثلوا لقضاياه وأوامره فكان إذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا إلى المترجم وأعادا عليه دعواهما فإن رأى القضاء صحيحًا موافقًا للشرع أمضاه وامتثل الخصم الآخر ولا يمانع بعد ذلك أبدًا ويذعن لما قضاه الشيخ لعلمه أنه لا لغرض دنيوي وإلا أخبرهم أن الحق خلافه فيمتثل الخصم الآخر ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطندتا فذهب ابن الشيخ الأمير إلى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل في الدار التي هو نازل فيها فانهدمت الجهة التي هو بها وسقطت عليه فمات شهيدًا مردومًا ومعه ثلاثة أنفار من أهالي قرية العكروت وذلك في أوائل شهر الحجة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله ومات الأمير سعيد آغا دار السعادة العثماني الحبشي قدم إلى مصر بعد مجيء يوسف باشا الوزير في أبهة ونزل بدرب الجماميز في البيت الذي كان نزل به شريف أفندي الدفتردار بعد انتقاله منه وفتح باب التفتيش على جهات أوقاف الحرمين وغيرها وأخاف الناس وحضر إليه كتبة الأوقاف وجلسوا لمقارفة الناس والتعنت عليهم بطلب السندات ويهولون عليهم بالآغا المذكور ويأخذون منهم المصالحات ثم ينهون إليه الأمر على حسب أغراضهم ويعطونه جزأ ويأخذون لأنفسهم الباقي ثم تنبه لذلك فطرد غالبهم وسدد على الباقين وتساهل مع الناس وكان رئيسًا عاقلًا معدودًا في الرؤساء تعمل عنده الدواوين والاجتماعات في مهمات الأمور والوقائع كما تقدم ذكر ذلك في مواضعه ثم أنه تمرض بذات الرئة شهورًا ومات في يوم الاثنين رابع شهر صفر ومات الأمير سليمان بك المرادي وهو من الأمراء الذين تأمروا بعد موت مراد بك وكان ظالمًا غشومًا ويعرف بريحه بتشديد الياء كان إذا أراد قتل إنسان ظلمًا يقول لأحد أعوانه خذه وريحه فيأخذه ويقتله ومات في واقعة أسيوط الأخيرة أخذت جلة المدفع دماغه وقطع ذراعه وعرفوا قتلخ بخاتمه الذي في إصبعه المقطوع ومات سليمان بك الألفي الذي قتل في واقعة ياسين بك بالمنية عند الخندق وغير هؤلاء والله أعلم. واستهلت
|